نقص الكتب الدراسية في ليبيا.. أزمة تعليمية تهدّد ملايين الطلاب
نقص الكتب الدراسية في ليبيا.. أزمة تعليمية تهدّد ملايين الطلاب
شهد قطاع التعليم في ليبيا أحد أبرز أسوأ انعكاساته حين تحوّل نقص الكتب الدراسية إلى أزمة تجاوزت جدران المدارس إلى ساحات القضاء، إذ أمرت النيابة العامة السبت الماضي بحبس وزير التربية والتعليم المكلف ومدير عام مركز المناهج على ذمة التحقيق بتهم تتعلق بالإضرار بالمصلحة العامة والإخلال بالحق في التعلم، تأتي هذه الخطوة القضائية في بلد يواجه تحديات بنيوية منذ انهيار النظام في 2011، في وقت يعتمد فيه نحو مليوني طالب على استلام الكتب في الوقت المحدد لتجاوز عام دراسي بلا تعطيل أو تلفيق.
وأرجعت النيابة العامة أسباب الأزمة التي تشهدها ليبيا حاليا إلى أنماط إساءة صاحبت الإجراءات الإدارية والمالية المتعلقة بالعقود المبرمة وإهمال واجب إتاحة الكتاب المدرسي لمليوني طالب خلال المواعيد المقررة وفق موقع "LibyaReview"، بدأ العام الدراسي في ليبيا في الربع الأخير من سبتمبر، غير أن عدداً كبيراً من المدارس في مدن مثل بنغازي وطرابلس وسبها وسرت لم تستلم بعد الجزء الأكبر من الكتب، أو استلمت كميات محدودة، فاضطرّ المعلمون إلى استخدام نسخ إلكترونية أو تصوير من كتب أعوام سابقة، وفي بنغازي أفاد مسؤول مراقبة التعليم بأن التوزيع وصل حتى الآن إلى نحو 45 بالمئة فقط، بحسب رويترز.
من الأسباب الجوهرية الكامنة في الأزمة، كما يشير خبراء التعليم، انقسام الأجهزة الإدارية في ليبيا، وانعدام الرقابة المالية على التعاقدات، وتمويل التعليم المتدهور منذ سنوات، ففي تحليل للمشكلات البنيوية في قطاع التعليم الليبي، ورد أن ضعف البنية التحتية والافتقار إلى الكتب والموارد التعليمية يشكّل حجر عثرة أمام حصول الطالب على تعليم نوعي.
التداعيات الإنسانية والتربوية
في الصفوف المدرسية تشتدّ معاناة المعلمين والطلاب، ويقول أحمد الزلاوي مدير مدرسة في بنغازي: في ظل تأخر الكتاب أصبح المعلم يعاني في إعطاء الدروس وإيصال المعلومة للطالب، وحتى بالنسبة للواجبات المنزلية أصبح الأمر صعباً، وأضاف أحد أولياء الأمور: لدي أربعة أطفال يدرسون كل واحد منهم يريد شراء مذكرات وهذا أمر مكلف جداً، راتبي لا يتحمّل، هذا يضع عبئاً مادياً جديداً على أسر سبق أن تعثّرت في تأمين احتياجات أبنائها، ويؤجج الإجهاد النفسي لدى الطلاب الذين يشعرون بأن حقهم في التعلم بات مهدداً.
غياب الكتب المدرسية ينعكس أيضاً في انهيار جودة التعليم، ما قد يؤدي إلى تدهور التحصيل الدراسي وارتفاع معدلات التسرب أو الإخفاق، ففي تقرير دولي مشترك لليونيسف ويونسكو والبنك الدولي حُذّر من أن مثل هذه الصدمات في أنظمة التعليم تضاعف أوجه عدم المساواة وتزيد من خطورة ترك الأطفال مقاعد الدراسة .
في ليبيا تحديداً، كشفت اليونيسف في تقريرها أن 61 بالمئة من الأسر المهاجرة التي لديها أطفالاً تتراوح أعمارهم من 5 إلى 18 عاماً تواجه صعوبات في الوصول إلى التعليم، وأحد العوائق الرئيسة هي الموارد التعليمية المحدودة.
الردود الحقوقية والقانونية
منظمة حقوق الإنسان ومدافعو الحق في التعليم يرون أن الأزمة تنطوي على انتهاك لحق التعلم المكفول في القوانين الدولية، فمبدأ الحق في التعليم منصوص عليه في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبروتوكولات اتفاقية حقوق الطفل، ويُلزِم الدول بضمان التعليم الأساسي المجاني وإتاحة الموارد اللازمة، وبحسب استعراض حقوقي لـ"المفوضية السامية لحقوق الإنسان لليبيا"، ورد أن نقص الموارد التعليمية يشكل عائقاً أمام التعليم الأساسي.
وقد علّق تقرير محلي بأن النقص يكشف فشلاً منظماً في إدارة التعليم وتجزئة المسؤوليات بين الجهات، في بلد ما زال يفتقر إلى سلطة مركزية مستقرة، وندّدت منظمات دولية بمشروع التعاقدات والإهمال الإداري، معتبرة أن فتح الملف القضائي أمام وزير التربية هو مؤشر واضح على الاحتقان العام داخل ليبيا.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، دخلت ليبيا في دوامة انفصال إداري وصراع بين حكومتين متنازعتين منذ 2014، الأمر الذي أدى إلى تعطّل مؤسسات التعليم والبنية التحتية، ويكشف أحد تحليلات قطاع التعليم أن هذا الواقع أضعف قدرة الدولة على طباعة وتوزيع الكتب، واستنزفت الموارد في النزاع والتنازع بدل التعليم، وهذا السياق التاريخي يعمّق أزمة الكتب، لكنه لا يُعفي السلطات الحالية من مسؤولياتها تجاه الطلاب.
إحصاءات تعكس حجم الأزمة
تقرير حديث لموقع "LibyaReview" أشار إلى أن عدد الطلاب المتأثرين بتأخر الكتب قد يزيد على مليوني طالب، وأن بعض المدارس استلمت أقل من نصف الكتب المطلوبة ونبه مراقبون إلى أن تأخر الكتب يقلّل من ساعات التعليم الفعلية ويخلف فجوة تعليمية قد يستغرق تعويضها سنوات.
وإذا استمر النقص دون معالجة جذرية، سيجد الطلاب أنفسهم في منافسة أضعف للالتحاق بالتعليم العالي أو سوق العمل، كما أن استمرار هذا الوضع قد يفاقم الشعور بعدم الثقة لدى أولياء الأمور تجاه النظام التعليمي، ويعزز نزوح العقول أو اللجوء لخيارات غير رسمية.
وأوصى مراقبون بأنه من الضروري وضع خطة واضحة تشمل توزيع الكتب المتبقية فوراً ونشر جدول زمني معلن أمام أولياء الأمور، وإطلاق تحقيق إداري مستقل لتقصي الخروقات في التعاقدات وضمان مساءلة المتورطين، وتخصيص ميزانية طارئة لتأمين الطبعة الاحتياطية من الكتب وإدخال الرقمنة كحل مكمّل، وإشراك أولياء الأمور والمجتمع المدني في مراقبة العملية لتفادي التكرار، والتعاون مع منظمات مثل يونيسف لدعم إعادة تأهيل منظومة التوزيع والتأكد من وصول الكتب إلى المناطق النائية والطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة.










